دأبت أمریكا على فرض عقوبات اقتصادیة وتجاریة وتقنیة على العدید من دول العالم بذرائع شتى من أجل ثنی هذه الدول عن نیل حقوقها المشروعة تارة، أو لإرغامها على مماشاة السیاسة الأمریكیة تارة أخرى. ومن الدول التی تعرضت للحظر الأمریكی كل من إیران و روسیا و كوریا الشمالیة وكوبا وفنزویلا.
وتهدف واشنطن من وراء هذه السیاسة إلى إخضاع الدول الأخرى إلى إرادتها والانصیاع لإملاءاتها فی إطار مساعیها الرامیة إلى الهیمنة على مقدرات العالم، فی وقت تدّعی فیه الدفاع عن حقوق الشعوب فی تقریر مصیرها وعدم التدخل فی شؤون دولها.
فی هذا السیاق أشار الباحث الأمریكی والمتخصص بالاقتصادیات الدولیة "روبرت كان" فی تقریر له إلى أمثلة عن الحظر الأمریكی ضد الدول الأخرى التی تعارض نهج واشنطن وتسعى للنأی بنفسها عن إملاءاتها.
وأكد كان أن إیران التی تمكنت من انتزاع اعتراف المجتمع الدولی بحقها فی امتلاك التقنیة النوویة للأغراض السلمیة من خلال إبرامها الاتفاق النووی مع مجموعة (5+1) التی تضم كلاً من أمریكا وروسیا والصین وبریطانیا وفرنسا وألمانیا، تتعرض منذ سنوات إلى حظر أمریكی شامل بذریعة مواصلة برنامجها الصاروخی البالیستی فی حین أن قرار مجلس الأمن الدولی (2231) الذی أقر الاتفاق النووی قد أجاز لإیران القیام بتجارب صاروخیة بالیستیة شریطة أن لا تكون هذه الصواریخ قادرة على حمل رؤوس نوویة وهو ما تؤكد طهران الالتزام به.
وفیما یتعلق بالحظر الأمریكی على روسیا أشار كان إلى أن هذا الحظر نجم عن الخلاف بین واشنطن وموسكو بشأن الأزمة الأوكرانیة، منوّها إلى أن أمریكا لم تكتف بهذا الحظر بل سعت لتحریض حلفائها فی الاتحاد الأوروبی لاتخاذ خطوات مماثلة ضد روسیا، ما أدى إلى توتر العلاقات بین الأخیرة والعدید من الدول الأوروبیة.
ومارست واشنطن كذلك ضغوطاً اقتصادیة وتجاریة وسیاسیة على كل من فنزویلا وكوبا لرفضهما التدخل الأمریكی فی شؤونهما الداخلیة.
ولازالت إدارة الرئیس الأمریكی "دونالد ترامب" تمارس ذات النهج مع كوریا الشمالیة بحجة مواجهة برنامجها النووی والصاروخی.
ومن الممارسات التی لجأت لها أمریكا لتشدید الضغوط على الدول التی لا تسیر فی ركبها هو الحظر المالی ومقاطعة البنوك والمصارف التی تتعاطى مع نظرائها فی الدول المذكورة، لاعتقادها بأن هذا المنع من شأنه أن یعطل التقدم الاقتصادی فی تلك الدول باعتبار أن البنوك والمؤسسات المالیة ذات العلاقة تشكل حلقة الوصل والركیزة الأساسیة لأی نشاط اقتصادی وتجاری فی أی بلد من بلدان العالم.
والسؤال المطروح: هل تمكنت أمریكا من ثنی الدول المعارضة لنهجها من مواصلة سیاستها فی شتى المجالات لاسیّما فی المجالین الاقتصادی والعلمی، أم حصل العكس؟
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى أن إیران ورغم الحظر المفروض علیها تمكنت من تطویر برنامجها النووی للأغراض السلمیة ولم یمنعها الحظر من التقدم فی كثیر من المجالات الاقتصادیة والتجاریة، والدلیل على ذلك هو كثرة الوفود الغربیة التی سعت لتعزیز العلاقات الاقتصادیة مع طهران بعد إبرامها الاتفاق النووی مع السداسیة الدولیة قبل أكثر من عامین.
كما تمكنت روسیا من مواجهة الحظر الأمریكی - الأوروبی بفضل قدرتها على التحكم بملف الطاقة، حیث لا یمكن لدول الاتحاد الأوروبی الاستغناء عن الغاز الروسی خصوصاً فی فصل الشتاء. بالإضافة إلى ذلك تمكنت روسیا من تسویة أزمتها مع تركیا على خلفیة إسقاط الأخیرة لطائرة "سوخوی 24" فوق الأراضی السوریة فی نوفمبر/تشرین الأول 2015، وقد ساهم ذلك فی انتعاش العلاقات الاقتصادیة بین أنقرة وموسكو، وقلّص بالتالی من تأثیر الحظر الغربی المفروض على روسیا.
وهكذا الأمر بالنسبة للدول الأخرى وتحدیداً كوریا الشمالیة وفنزویلا وكوبا التی تمكنت هی الأخرى من مواجهة الحظر الأمریكی بفضل إصرارها على الحفاظ على استقلالها ورفضها لأی تدخل أجنبی فی شؤونها الداخلیة.
وتنبغی الإشارة هنا إلى أن الكثیر من الشركات الأمریكیة قد تعرضت لأضرار كبیرة نتیجة الحظر الأمریكی على الدول الأخرى، الأمر الذی دفع المتخصصین فی الشأن الاقتصادی لنصیحة ترامب وطاقمه الحكومی بضرورة الكفّ عن السیاسات السابقة لأنها تساهم فی حرمان أصحاب رؤوس الأموال الأمریكیین لاسیّما أصحاب الشركات من استثمار أموالهم فی الدول التی تتعرض للحظر، ولاعتقادهم أیضاً بأن هذا النوع من السیاسة لم یعد مجدیاً فی ثنی الدول المعارضة عن مواصلة برامجها وخططها لتحقیق ما تصبو إلیه فی كافة المجالات، طالما أن ذلك لایتعارض مع القوانین والمبادئ الدولیة.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/7924
TAGS: